مصفوفة الكلام الببكي

بما ان طلب اوكامبو لمحكمة الجنايات الدولية قد وجه نحو قمة الهرم السيادي و السياسي في السودان فان اخذه بجدية تامة و التعامل معه بمنتهي المهنية و الموضوعية و الاحتراف يصبح واجبا مقدما خاصة للعيوب و الثغرات القانونية التي امتلا بها ذلك الطلب حسب توضيحات خبراء القانون الدولي. ذلك لمحاصرة تبعات ذلك الطلب قبل ان تتحول الي قرارات تتبناها منظمات دولية اكثر نفوذا و اوسع صلاحيات و اكبر إمكانيات و اقوي قدرة علي الإيذاء بالنسبة للسودان و للمتعاملين معه من مستثمرين و منتجين و مستهلكين و غيرهم من اصحاب المنافع و المكاسب المتبادلة مع البلاد. هنا يصدق القول باخذ كلام من ببكيك في الاعتبار اكثر بكثير من كلام من بضحكك.

يتعلق كل ذلك بعدد من الملفات و المحاور اولها السياسي الذي تجب مراجعته و ملامسة مكامن الخلل فيه التي ادت الي العديد من الاخفاقات و المشاكل او التي تسببت في ايجاد المشاكل او تعقيدها. و هذا ملف شائك و معقد و صعب و لكن التصدي له و معالجته هو مفتاح الحل للملفات و المحاور الاخري التي لا يمكن ان تمضي خطوة واحدة دون معالجة الجانب السياسي الذي يتركز فيه اتخاذ القرار.

المحور الثاني هو الدبلوماسي أي اللغة الاساسية التي تتحدث بها الدول مع بعضها البعض و التي يجب ان تعبر عن الدولة ببيان واضح و مقنع و بوجه مشرق و مقبول و ان تعرف رموز و شيفرات المتحدثين و تفك تلك الرموز و الشيفرات و ان تستبق الاحداث لا تركض خلفها. هذا ملف يحتاج للعلاج مؤسسيا و مهنيا و علي مستوي التمثيل و كفاءته.

الملف الثالث هو الاعلامي و هنا نحتاج لاعلام مهني و محترف و نحتاج الي ان يحول التلفزيون السوداني الي جهاز اعلامي قومي عالي الكفاءة يطلع بدوره كما يجب. كما يحتاج الامر الي ضبط حالات الخطابات المنفلتة التي تضر اكثر مما تنفع و تعمل علي تصدع الجبهة الداخلية و الاستعداء الخارجي لجهات السودان في اشد الحاجة الي تحييدها ان لم يكن من الممكن كسبها. هنالك العديد من النوافذ التي يمكن فتحها بواسطة الاعلام فلماذا العمل علي اغلاقها؟

المحور الرابع هو اصطحاب الجانب الاقتصادي في جميع الملفات السابقة السياسية و الدبلوماسية و الاعلامية و اتقان الدفاع عن مصالحنا و الترويج لمواردنا و حسن ادارتها و تطوير الشراكة الاقتصادية اقليميا و دوليا. ان موارد السودان اداة مهمة في الكسب السياسي فقط يجب توظيف ذلك ايجابيا و بشكل عالي الجودة و العائد السياسي.

المحور الخامس هو تماسك الجبهة الداخلية و التقارب مع الشركاء في اتفاقيات نيفاشا و ابوجا و الشرق و القاهرة و تقديم مستحقات التحول الديمقراطي و الاستعداد للشراكة الحقيقية و ارساء قواعد التنافس الحر النزيه.

يضاف لكل ذلك ضرورة الالتزام بالتصدي القانوني عالي المهنية و الاختصاص و الاستفادة من مقترحات و توصيات الأصدقاء و المؤسسات ذات الخبرة و توصيات و مقترحات المنظمات الإقليمية التي لا تجد دولها مصلحة في تفكك السودان او حدوث فوضي عارمة فيه.

اذا تم اتباع ذلك المسار او نحوه فمن الممكن جدا تجنب مصير العراق و الصومال فمشاكلنا مع المجتمع الدولي ليست اكثر تعقيدا من مشاكل كوريا الشمالية و سوريا و ايران التي وقفت علي حافة الحرب مع امريكا مثلا و لكنها و جدت المخرج المناسب و أتقنت لغة الحوار بمختلف الاساليب و عرفت كيف تستخدم ما توفر لها من قدرات لتحقيق اهدافها باقل خسائر ممكنة و ذلك امر متاح للسودان انما يتطلب العمل الجاد و القرارات التي ربما تكون مؤلمة احيانا. بقدر حديثنا عن الاستهداف يمكن ايضا الحديث عن المصالح المشتركه و هنالك عدد كبير من دول العالم من مصلحتها استقرار السودان و ازدهاره كمصدر للموارد المادية و البشرية و كسوق لا يستهان به و ذلك بابسط الحسابات.

د.حسن بشير محمد نور - الخرطوم