الحَمـَـاة والكَـنَـة

الحماة والكَنـة
الكاتب / د. إبراهيـم القرشي

الحماة أم الزوج وأم الزوجـة ، وهي في بعض البئات العربية مغضوب عليها مشهّـرّ بها . وليس كل حماة تستحق هذا الجحود ةوالنكران . نعم إن العلاقة بين الحماة وهي أم الزوج وبين الكَنـَة وهي زوجـة الإبن تكون أحيانا كعلاقة ( الضّرات ) بجامع التنافس بينهما على قلب الابن ، خصوصاً إذا كانا تعيشان في بيت واحـد . فقـد ترى الحماة أن زوجـة إبنها إنتزعته منها واستأثرت به من دونها وهي التي حملته في بطنها تسعـة أشهر وزيادة، وهي التي ربته وتعبت فيه ، فجاءت الكنة وهي امرأة الابن لتحصد الثمار دون تعب فأخذته ( على الجاهز ) .

وترى زوجة الابن أن زوجها مِلكها وهبته نفسها وينبغي ألا ينافسها أحـد على قلبه . ولو حُمل الأمـر على وجهه لكان في كلتيهما امتداد طبيعي للآخـرى ، فالزوجـة تتولى بقية المشوار في العناية بالزوج له أماً وزوجـة ، وتتولى أيضاً العناية بأم الزوج ( الحماة) وتعطيها الجزء الذي افتقدته من عناية ابنها ، وأم الزوج تصبح أمّـاً للطرفين فتعوض زوجة ابنها ما افتقدته من عناية أهلها بها ، أما الابن فمهمته رعايتهما معاً فتكتمل الرسالة على أحسن وجه ، أو هكذا يقتضي حسن الظن ومنطق العقل ، وهذا تصور نظري ...

ولا يتستغرب قول الغناية ( كفت اُمـو رضّـى علي ) فإنها لم تشـذ عن المأثـور في تراث العرب أيضـاً - على قبح الفِعـلة ـ فالأمـر قـديم ، قالت أم ثـواب وهتي امترأة من بني هـزان في ابن لها كان عـاقـاً :

ربيتـه وهـو مثل الفـرخ أعـظمـه *** أم الطعام ترى في جلـده زغـباً
حتى إذا آض كالفُحـّال شذبـه *** أبّـارُه ونفـي عـن متنـه الكـربـا
أمـسي يمـزّق أثـوابي يؤدبنـي *** أبعـد شيبـي عنـدي يبتغــي الأدبـا
قالت له عـرسُة يومـاً لُتسمعنـي *** مهـلاً فإن لنا في أمنـا أربـا
ولو راتني وفي النـار مُستعرة *** ثم استطاعت لـزادت فـوقهـا حطبـاً

ومع أن هـذا العـاق المتعوس شـاذ التصرف، وقد تكون زوجته صادقة مسقفة على حماتها ولكن ابت الأم ( الحماة ) إلا أن تجعل ما أبدته تلك المسكينة من مشاعر ريـاءً وسمعتة ونفاقاً. ولسان حالها يقول : ( كان لقتني فوق النار تزيدها حطب) .

هذا، وليس كل العرب تغـري الكنـة بالحماة ، فمن أمثالهم ( لا تهـدي إلى حماتك الكتف ) تحُصُ هذه العربية الأصلية بنتها على ألا تقـدّم إلى أم زوجـها سئ الطعـام، لأن الكتف وإن كانت من أطيب اللحـم عنـدهم ، لأنهم يقولون " خير اللحـم ما جـاور العظم " إلا أنها تحتاج إلى عناية أكلها لأنهم كانوا أكثر أكلهم ( المسلوق ) والكتف بعد ( السلق ) تحتفظ ببعض المرق في تجاويفها فإذا لم يكن الذي تقدم إليه حريصاً في تناولها سال المرق على ساعديه حتى يبلغ الكوع، وسال على ثيابه ايضاً، لذلك تقول العرب في مثل من أمثالها، ( فلان يعرف من أين تؤكل الكتف ) إذا كان خبيراً بالأمـور بصيراً بمعالجتها.

زمن العبارات الشائعـة عندنا قول العامة ( حماتك بتحبّك ) أو ( نسيبتك بتريدك )
يقال لمن يصادف شيئاً طيباً. ولا أدري أهـي محمـولة على الحقيقـة أم أنها سخرية ؟ لأنهم من الطًرف الآخـر ربما قالوا ( كلام الحَمَـا عَمـى ). وعلى كل حال الحموات خشم خشم بيوت،

نواصل

ولكن هل يساعدنا الواقع والتراث على المضي في تخيّل هذه المعايشة النظرية الخيالية ؟ لا ، وألف لا . فمعظم قصص التراث وأخبار البيوت تدل على أن الامر لا يسير وفق ما افترضناه . فاملاحاة والمشاحنة والتباغض بين الحماة والكنة صار مضرب المثل عند العرب، حتى قالوا: " يحرُمُ على السامع تكذيب القائل إلا في ثلاث : صبر الجاهل على المصيبة، وعاقل أبغض من يحسن إليه، وحماة أحبًت كَنًـة " . وقال شاعرهم وهو مسكين الدّرامي يصف ناقته ومشيها :

ألا هل تبلغنيكم *** على اللاواء والظنّـه
وآه لحصـى المعـزاءِ *** في إخفافها رنّة
إذا ما عسفت قلت *** حماة فاضحت كنة

اللأواء هي الشدة ،
والوآة : الناقة القوية ،
والمعزاء : الارض الغليظة ذات الحجارة .
الرنة : الرنين الصوت .
عسفت : إشتدت في السير واسرعت .

انظر اسلوب التشبيه الشائع عندنا في قوله ( قلت)، كما نقول: أكان شفتوه تقول طيارة ؟ وقلت ايضاً بمعنى ( ظننت ) وهي ايضاً شاءعـة عندنا نقول ( ده التقول صوت فلان ) يعني اظنه أو كأنه هو ، قال الشاعر :

متى تقول القُلص الرواسما *** يحملن أم قاسم وقاسماً

فتقول بمعنى تظن .

ومسكين هو صاحب القصيدة الرائية التي تضمنت معاني سامية في حسن الجوار وفيها يقول :

ما ضرّ جاري إذ أجاوره *** ألا يكون لبيته سِتر
أعمـى إذا ما جارتي خرجت *** حتي يواري جارتي الخدر

أين نحن الان من هذه المعاني النبيلة ، فقد مضى زمان الستور والخدور التي تكشفها هبة الريح وجاء الأسمنت المسلح والزجاج المظلل ومع ذلك قل أن يأمن الجار جاره . وربما وقف أحـدهم بالساعات الطوال مبحلقاً مفتوح العين أكبر من الريال ينتظر خروج الجارة التي يغمض الشاعر عينيه إذا لمحها لمحـة. تلك مثالية نادرة .

للموضوع ايضاَ بقية .....

نواصل من كتاب عادات سودانية أصولها عربية
للكاتب / دكتور إبراهيم القرشي .
===============

علّق أحد الزملاء على هذا قائلاً : " اين هذا من مثل الذين يتغنون بالجارات ويتغزلون : ( أحلى جاره يا أحلى جاره و : جارتنا وبت حارتنا وبنريدا " ) . فقلت : إن كان هذا المتغزل يعني الجارة ذات الزوج ، فقد وقع في المحظور شرعاً وعُرفاً ، أما إن كانت تلك الجاره آنسه وكان قصد المتغنـي شريفاً فإن " جحا أولى بلحم تورو " .

نعـود إلى ( كشف حال ) الحماة التي أصبحت مضرب المثل، فهذا عبد الصمد بن المعذّل شاعر البصرة الساخر يذم أخاه أحمد بن المعذل فيقول :

أطاع الفريضة والسنُّة *** فتاه على الإنس والجنه
كأن لنا النار من دونه *** وأفرده الله بالجنه
وينظر نحوي إذا زُرته *** بعين حماةٍ إلى كَنه

فهذه قطعاً نظره ضيق وازدراء وعدم رضا .

وهذا الأمر في التراث العربي من الثوابت، وليس ما نراه اآن جديداً. قال شـاعرهم:

إن الحماة أولعت بالكنه *** وأبت الكنّةُ إلا الضّنـه

فأم الابن مولعـة بزوجته تغريه بها وتتظلّم منها، وزوجـة الابن ( ماسكة فيهو بالعشرة ) لا تفرط فيه . تضِنّ به، أو ( الظنّة) أي تتهم أمه ولا تثق بها. لذلك تجد في تراث بعض الشعـوب أن الزوجـة إذا كانت يتيمة من جهة الأم فإن ذلك من المواصفات المطلوبة التي تغري بالتزوج بها، طلباً لراحـة البال من بلاوي النسيبة، أو هكذا يزعمون. قال بعض الساخرين من شعراء أول هذا القرن:

سال الصبي أباه يوماً: يا أبي *** من كان أسعـد من تزوّج في الوّرّى

فأجابه: هو آدمٌ إذ لم تكن *** موجودةً في بيته ( أمُ المرا)

والعرب تقول المرأة والمره، كله منقول عنهم، فالمره في عاميتنا فصيحة. والشاعر هنا أضطر فحول الهـاء ألفاً لما احتاج إلى القافية.

ومن فرط حرص الجهّال على سعـادة بناتهم ربما أصوهنّ بإظهار ( وجه القباحة ) لأم الزوج منذ الوهلة الأولى حتى تكون لها السيطرة على الأوضاع، فخير وسيلة للدفاع هي الهجوم. قالوا أوصى أحدهم إبنته ـ وأسمها بّرّة ـ ليلة زواجها فقال :

سبُيّ الحماة وابهتي عليها *** وإن أبت فازدلفي إليها
ثمّ اقرعي بالعـود مِرفقيها *** ورُكبتيها وابخصي عينيها

وقال آخر :

أوصيت من بَرّة قلباً بَرّا *** بالكلب خيراً والحماة شَرّاً
لا تسأمي خنقاً لها وجرّا *** والحيّ عُمّيهم بِشَـرّ طُـرّا
وإن كسوك ذهباً ودُرّا *** حتى يروا حُلوَ الحياة مُرا

وهذه غاية الجحـود، يوصيها خيراً بالكلب وشرّا بمن جادت عليها بفلذة كبدها. والمرأة ( الحماة) أحرص على هذا من الرجل.

قالت امرأة لابنتها ليلة زفافها.

اقلعي زُجّ رمحـه، فإن أقرّ فاقلعي سنانه، فإن أقرّ فاكسري العظام بسيفه، فإن أقر فاقطعي اللحم على تريه، فإن أقرّ فضعـي الاكاف على ظهره فإنما هو حمار.

توصيها بالتدريج في السيطرة عليه حتى تضع السرج على ظهره وتركبه كالحمار. والإكاف: السرج، ومنه قولنا ( عكفه السّرج) وإنمّا هي همزة جعلناها عيناً وهو كثير في كلام العرب وفي كلامنا.

والشئ الذي يبدو كالمتفق عليه عند العرب أن الحماة في الغالب ذات نفوذ وشوكة خصوصاً إذا كانت تتبنى سياسة صارمـة في تربية أبنائها. فتضعف أمامها شخصيات بعضهم ومن هنا تمتلئ الزوجـة ضيقاً وتكادُ تميّز من الغيظ.

للموضوع بقية ....

نـواصل ما انقطع من حـديث

========

وما يقال عن أم الزوج يمكن أن يقال عن أم الزوجـة، فالأخيرة تدفعها غيرها على بنتها إلى المطالبة ببعض الحقوق أو التدخل بطريقـة أو أخترى بين بنتها وزوجهـا. ولكن أم الزوجـة قد تبدو اضعـف موقفاً من أم الزوج، فالأخيره بيدها القرار وهي في موضع قـوّة لأن ابنها فارق هذه الزوجتة فلن يصعب عليه ( الإرتباط) بأخرى ، أما أم البنت فيطاردها شبح الطلاق و ( بهدلتِه) وهي قطعـاً يعـزّ عليها خراب بيت ابنتها، لذلك فالفارق بينهما أن أم الزوج يمكنها التصرف في العلن أما أم الزوجـة فليس أمامها إلا ( الزّنّ) على أُذن بنتها.

وهذا ما يجعل بعضهم يبدو سعيداً إذا اختفت أم الزوجـة من حياتهما. قالوا: انتظر أحدهم حماتهعلى المحطة في ميعاد القطر عّينته له ، فلم يصل القطار وعلم أنه اصطدم بقطار آخر ، ومات كل ركابه فعاد في الحال إلى بيته مطمئناً إلى أن حماته ماتت ( راحت في ستين داهيـة ) وهو ينتظر تأكيد الاخبار . وبينما هو كذلك ورد عليه تلفون تلغراف ( برقية ) من حماته تنبهه إلى أنها أخطأت القطار المذكور وأنها ستأتي في الذي يليه. فلما قرأ البرقية عبس وجهه وقطّب وجهه، فأخبر زوجته ( بنتها ) بالقصـة فكادت تطير من الفرح بنجاة أمها. فهاج الزوج في زوجته وقال: أنت ترقصين فرحاً وأنا أغلي من الغضب . فقالت مندهـشة وما يغضبك؟ قال: يغضبني إهمال أمك في رعـاية المـواعـيد !! ( كان عايز يخلص !) وعلى كل حال فالأخيرة عندنا تبدو مظلومة أحياناً. ومن أمثالنا

( غلبتـو مرتو ضرب حمـاتو )

برجـع ليكم ،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ماشاء الله يا مديرنا دُرَر ونتوقع منك المزيد انشاء الله الحَمـَـاة والكَـنَـة 2011

ود بركات أشكرك على المتابعـة

وقفنا في غلب مرتو ضرب حماتو .....

نوااااااصل

وهذا اشبه بحر العربية الببردوه في السّرية . وقد يتضاعد الأمر أحياناً حتى تنقلب الموازين ، ألم تقل الغناية : ( كفت اُمـو رضّى عـلى ) ؟ شلت يمينه ، فهذا النوع من أنذل الناس وأخسّهم . نعم قد يتفاقم الأمـر ويتعذّر التأليف بين الحماة والكنّة ، ويصبح الجمع بينهما في عشّ واحـدٍ مستحيلاً ، فمن الحمق وقلة العقل وترجيح كفة إحداهما على الأخرى ، لأن الزوج مسئول عن كلتيهما ، وإن كان حق الأم - في الواقع ـ أكبر ، فالزوج قد يتبدل بالزوجـة أخترى إذا تأزمت الأمـور ولكن هل له من أمه بديل ؟ وهذا لا ينقص قطعـاً من حق الزوجـة فهي الحبيبة وشريكة الحياة وأم الولد ، والعاقل هـو الذي يستطيع تسييرهما في خطين متوازيين ويجتهـد في حفظ المسافة بينهما فتختفي بذلك نقاط التماس والإلتماس .

ولا يستغرب قول الغناية ( كفت أمـو رضّـى عَـلَـي ) فإنها لم تشذ عـن الماثـور في تراث العرب ايضاَ - على قبح الفِعـلة - فالامر قديم ، قالت أن ثوّاب وهي امترأة من بني هزان في ابن لها كان عـاقاً :

ربيته وهو مثل الفرخ أعظمـه *** أم الطعام ترى في جتلده زغـبا
حتى إذا آض كالفُحّـال شذبهُ *** أبـارُهُ ونفـى عـن متنـه الكـربـا
أمـسى يمـزق أثـوابي يؤدبنـي *** أبعـد شيبي عنـدي يبتغـي الأدبـا
قالت له عـرسـه يـوما لُستمعَنـي *** مهـلاَ فإن لنا في أمنـا أربـا
ولو رأتني وفي النـار مُسعـرةٌ *** ثم استطاعت لزادت فوفهـا حطبـا

*****

ومع أن العـاق المتعوس شـاذ التصـرف، وقـد تطـون زوجتـه صـادقـه مشفقـه على حماتاه ولن ابت الام ( الحماة ) إلا أن تجعـل ما أبدته تلك المسكينة من مشاعر, ريـاءً وسمعة ونفاقاً . ولسان حالها يقول : ( كان لقتني في النار تزيدها حطب ) .

هذا، وليس كل العرب تُغـري الكنًـة بالحمـاة ، فمن أمثالهم ( لا تهـدي إلى حماتك الكتِـف ) تحُضُ هذه العربية الاصيلة بنتها على ألا تُقـدّم إلى أم زوجهـا شئ الطعـام، لان الكتف وإن كانت من أطيب اللحم عندهم، لأنهـم يقولون : " خير اللحم ما جاور العظم " إلا أنها تحتاج إلى عناية في أكلها لأنهم كانوا أكثر أكلهم ( المسلوق) والكتف بعـد ( السلق ) تحتفظ ببعض المرق في تجاويفها فإذا لم يكن الذي تقدم إليه حريصـاً في تناولها سال المرق على ساعديه حتى يبلغ الكوع، وسال على ثيابه أيضاً، لذلك تقول العرب في مثل من أمثالها: ( فلان يعرف من أين تؤكل الكتف ) إذا كان خبيراً بالامـور بصيراً بمعالجتها .

ومن العبارات الشائعـة عندنا قـول العـامـة ( حماتك بتحّبك ) أو ( حماتك بتريدك ) يقال لمن يصادف شيئاً طيّباً. ولا أدري أهي محمولة على الحقيقة أم أنها سخرية؟ لأنهم من الطرف الآخـر ربما قالوا : ( كلام الحما عمـى). وعلى كل حال الحموات خشم بيوت، وإذا أحسنا الظنّ فالحماة أم ثانيـة، وسعيد الحظ هو الذي يرزق حماةّ ينسـى كثيراً أنها ام زوجتـه كناية عن رفع الكُلفة، وسعيـدة الحـال التي ترزق حماةً تُنسيهـا أُمهـا. وربمـا قـرأ كثيرون هذه الأسـطر الأخيرة فيرون أن ما ذكرته هو رابع الثلاثة التي ذكرتها العرب : الغُـول والعنـقـاءُ والخِـلّ الـوفـي، فتصبح الحمـاة التي تكون أُمـا رابـع المستحيلات .

*********
إنتهـى المقـال
للكاتب دكتور إبراهيم القرشي