السومصريون ضائعون بين مصر والسودان

أعدادهم تقدر بمئات الآلاف والمصريون يعتبرونهم أغراب والسودانيون لا يعترفون بوجودهم

ثلاثة ملايين سوداني في مصر وفقا للتقديرات الرسمية والرقم يرتفع إلي أكثر من ذلك حسب التقديرات الشعبية ، أكثر من 80 بالمائة من هؤلاء يعيشون بالقاهرة الكبرى ، بأحياء اشتهرت بتجمعات السودانيين كعين شمس وعرب المعادي والقطامية وعزبة الهجانة والكيلو 4ونص والبراجيل والحلمية الجديدة وأخيرا مدينة السادس من أكتوبر، ويشكل هؤلاء دويلة سودانية بالدولة المصرية ، وقد أدى هذا التجمع الضخم إلي إفراز نوعية من الشباب التائه بين البلدين لا هو سوداني ولا هو مصري من الجالية السودانية بمصر ، يوصفون بأنهم ( سومصريون) فأغلبهم ولدوا في مصر ، ولا يعرفون عن الوطن الأم السودان سوى جوازات سفرهم التي تعرقل مسارات حياتهم في التعليم والعمل والزواج ، كما أنهم معرضون في كل وقت للاصطدام فالمجتمع المصري يعتبرهم أجانب ،والمجتمع السوداني يطلق عليهم ألقاب تهكمية منها ( حناكيش ) أي مدللون و(كيشة ) أي لا يفقهون شيئا و( جلجل ) للسخرية من كلمة جالية.الحياة الضائعة لهؤلاء الشباب بين شوارع وحواري وأزقة القاهرة المزدحمة بسكانها ونقص فرص العمل حكايات تستحق أن تروى لرصد حالات مئات الآلاف من هؤلاء الشباب.

العلاقة بين مصر والسودان غير قابلة للمزايدة فهما قلبان يرويهما شريان واحد وهناك روابط أزلية بين البلدين منذ أيام الأسرات الفرعونية و بالرغم من أن أفراد الجالية السودانية يرون في مصر امتداد طبيعي لوطنهم إلا أن أغلبهم يعانون البطالة والعنوسة وفقدان الهوية و بعض الاضطرابات النفسية وترتب علي ذلك بعض الانحرافات السلوكية

البنت السودانية

"الهام سعيد" نموذج لفتاة سودانية نشأت في مصر عمرها 36 عاما ولا تعرف من وطنها سوى هويتها المكتوبة على أوراق جواز سفرها ، ومشكلتها في شعورها الدائم بالغربة فهي تعامل في مصر كوافدة كما أنها لم تر موطنها الأصلي ، الهام تائهة بين جنسيتين وسودانيتها تعوق اندماجها مع المجتمع المصرى لأسباب تتعلق باللون والهوية ، كما تعاني عنصرية الشعب السوداني لاتهامها بالتمصر بسبب لهجتها المصرية بالإضافة لمظهرها وملبسها عالموضة مثل بنات القاهرة وهو ما يستنكره بعض السودانيين الذين يعيشون بالسودان ، كل هذه العوامل جعلتها غير قادرة علي التأقلم مع الجانبين.

الهام التي فكرت في الخروج من هذا المأزق بالزواج تعرضت لثلاث تجارب أليمة وبعد أن فسخت خطبتها من مصري بسبب تمسك أهلها بزواجها من سوداني تمت خطبتها لشاب سوداني لم تستطع التأقلم معه بسبب اختلاف ثقافتهما لأنه نشأ نشأة سودانية بحتة ، أما الثالث فقد أطاح ببقية أحلامها في الاستقرار ، كان سوداني الجنسية من شباب الجالية مثلها لكنه تركها بعد ثلاث أعوام من الخطبة لم يستطع خلال تلك الفترة أن يؤسس بيت الزوجية بسبب ضيق المعيشة وضآلة المرتبات بمصر التي ربما لا تكفيه هو وحده ليعيش حياة كريمة فكيف سيفتح بيت وأسرة وأولاد....الخ وهكذا وبعد عناء وصل الحال بالهام إلى الرغبة في مقاطعة الجنس الآخر في مصر والسودان وأصبحت ترفض فكرة الارتباط إلي أن فاتها قطار الزواج.

أما هبة - 28 عاما- فقد فاتها قطار التعليم وتوقفت دراستها عند المرحلة الإعدادية لأنها من أسرة سودانية فقيرة تعيش في مصر بمنطقة عزبة الهجانة و لم تستطع أن تعلم أبنائها لأن المدارس والجامعات المصرية تشترط سداد المصروفات بالعملة الصعبة (بالدولار أو الإسترليني) بسبب اختلاف الجنسية ، وبعد نزولها سوق العمل لم تجد أمامها سوي الأعمال الهامشية وكان أفضلها العمل كبائعة في محل ملابس حريمي صغير بأحد الأحياء الشعبية وقبل ذلك عملت كخادمة في احد المنازل لكنها كانت تعاني المعاملة السيئة والإهانة الدائمة والي الآن لم يطرق بابها عريس واحد لفقرها وعدم تعليمها وجمالها المتواضع.

المهندسة "رشا" حالة على النقيض كانت متفوقة دراسيا ومن أوائل دفعتها الدراسية وبالرغم من حصولها علي تقدير امتياز إلا أنه لم يكن من حقها العمل كمعيدة بسبب جنسيتها فاضطرت للعمل في مجال بعيد عن تخصصها ،وعندما ارتبطت بسوداني كان يريد أن يتزوجها ويأخذها معه لتعيش بإحدى قرى السودان رفضت لأنها لن تستطع أن تتأقلم مع هذا الوضع لأنها نشأت في الحضر ولا تريد أن ترجع ألف خطوة إلي الوراء علي حد قولها فأنهت العلاقة منتظرة وضعا أفضل.

أما "أسيل" فهي فتاة جميلة (متفلهمة) تبدو عليها (القلاصة)وهي طالبة بكلية الآداب قسم علم النفس وتنتقد تصرفات آدم السودان قائلة بأنه رجل ذو نعرة ذكورية وطاووسية متورمة وتنحصر رؤيته للمرأة في أنها كائن لتحقيق متعته الغريزية ولذلك تتمني أن تتزوج من غربي – أوربي - مسلم.

الشباب وحلم الهجرة

و المشكلة لا تقل حدة عند الشباب فأغلبهم بمصر يعانون من البطالة بسبب الهوية ولأنهم يقيمون في القاهرة التي يعاني معظم شبابها من البطالة أيضا.

حيدر سوداني عمره 33 عاما تخرج من كلية تجارة ليقف في الشارع كبائع ليمون بمنطقة القطامية وكل حلمه هو السفر إلي الخارج لتحسين حالته الاجتماعية.

أما محمد عثمان 22 عاما فهو لا يعرف في القاهرة الواسعة غير جدته السودانية التي احتضنته بعد انفصال والديه وزواج كل منهما بآخر ونسيانهم ابنهم الذي لا تربطه أي علاقة بالسودان فجدته تعيش في مصر منذ أربعون عاما وكل أصدقائها وجيرانها مصريين والمطلوب من محمد في النهاية أن يكون سوداني فانحرف سلوكيا لأنه لا يدري من هو؟ بالإضافة إلي انه نشأ في أسرة مفككة وفي النهاية أصبح عاطلا و كل أصدقائه من المدمنين والمتسكعين علي الأرصفة..

العودة للوطن الأم ليست مستحيلة دائما فهناك "أمجد عبد الله" الشاب الذي حصل علي بكالوريوس العلوم تخصص جيوفيزياء بتقدير جيد من جامعة عين شمس ورجع إلي وطنه وبالفعل التحق بأداء خدمته العسكرية وتدرب بوزارة الطاقة والتعدين بالسودان ليبدأ مشوار كفاحه بمنزل خالته بالرغم من أن بقية أسرته لازالت تعيش في القاهرة.

والملاحظ أن عدد كبير من السومصريين يعتبرون القاهرة – محطة ترانزيت - ومعبرا للسفر إلي الخارج فكثير من هؤلاء الشباب هاجروا إلي كندا وأمريكا واستراليا والبعض نجح في اقتناص عقد عمل ببلاد النفط بينما قرر البعض منهم الهجرة إلي إسرائيل بعد أن أغلقت بلاد المهجر أبوابها أمامهم لازدياد أعداد السودانيين بها وإثارتهم للقلاقل.

"تاور ميرغني" الباحث الاجتماعي في الشئون السودانية المصرية يتساءل هل الجالية السودانية بمصر لاجئين أم مهاجرين؟ ويجيب قائلا :إذا اعتبروا لاجئين فهم لا تنطبق عليهم شروط اللجوء فاللاجئ هو من خرج من وطنه بطريقة شرعية أو غير شرعية واجري مقابلة مع مفوضية الأمم المتحدة ثم قبلت حالته لانطباق أربع أشياء عليه هي أن تكون قد انتهكت حقوقه الأساسية مثل حرية الرأي أو المعتقد الديني أو السياسي أو بسبب العرق.

وإذا اعتبروا مهاجرون فالهجرة لها أسباب كثيرة فهناك هجرة قسرية وهجرة بسبب الكوارث الطبيعية أو بسبب الحرب هذا أيضا لا ينطبق على هؤلاء فالسومصريين حالة خاصة جدا و هم مهاجرون مستوطنون وامتلكوا وتزوجوا وأنجبوا ومارسوا حياتهم بطبيعية لكن ما ينتقص هويتهم الأساسية أنهم يواجهون مشاكل كثيرة تعوق استقرارهم الاجتماعي والنفسي علي مستوي التعليم والعمل والزواج.

ويضيف تاور قائلا أن مشكلة العنوسة بين بنات الجالية منتشرة بسبب صعوبة الزواج البيني حيث تنحصر أحلام هؤلاء الفتيات علي الزواج من شباب الجالية الذين في نفس أوضاعهم ليندمجوا معهم لأنه نادرا ما تنجح علاقة مع شاب من احد المجتمعين المصري أو السوداني ، وثمة وجه آخر لمشكلة العنوسة وهو أن طبيعة المجتمع السوداني تفرض علي الرجل التكفل بكافة مصاريف الزواج ،مع المغالاة في المهور والذهب وشراء كل مستلزمات العروس من ملابس وعطور وبخور وهو ما يسمي ب (الشيلة) هذا بالإضافة للالتزام بتكاليف منزل الزوجية وتأسيسه بكل محتوياته ، وهذا عبء كبير علي شاب في مقتبل عمره ، و الأبواب ما زالت مغلقة أمامه من جميع الجهات.

أما مشاكل الشباب فهي الأكثر تعقيدا فإذا تخطي الشاب المرحلة التعليمية بنجاح سريعا ما يرتطم بواقع ضيق فرص العمل بمصر ونادرا ما نجد شاب يريد أن يرجع ليبدأ مشواره بموطنه الأم السودان حتى لا يؤدي خدمته العسكرية لأنهم لا يشعرون بالانتماء لبلدهم لأنها من وجهة نظر الأغلبية منهم لم تعطيهم شئ وحتى ما يحملونه منها كأوراق هويتهم تعوق مسار حياتهم فأصبح حلم كل الشباب هو الهجرة إلي الخارج وبأي كيفية وبعد أن أغلقت دول المهجر أبوابها أمامهم نتج عن هذا الوضع الكثير من الشباب الذين يتجهون للهجرات الغير شرعية علي أيدي سماسرة البشر الذين يستغلون أوضاع الشباب الضائع بإيهامهم بأن حل مشاكل حياتهم في السفر للخارج فنتج عن ذلك غرق الكثير من المراكب التي كانت متجهة لايطاليا واليونان في رحلات السفر للمجهول بالإضافة إلي سفر العديد من الشباب لإسرائيل القضية التي أثارت الجدل في الفترات السابقة.

وكل هذه الضغوط ولدت اضطرابات نفسية أدت إلي ظهور انحرافات سلوكية بين الشباب والفتيات وانتشار الزواج العرفي و إدمان المخدرات والسرقة واحتراف في أعمال النصب وتشكيل عصابات.

أما الدكتور "ياسر محمد علي" القنصل العام لسفارة السودان بجمهورية مصر العربية فيرى وجود عدد كبير من السودانيين بمصر نشا عنه وجود فئات لا تحمل مقومات العمل في سوق مشبع بالقوى العاملة كما أنها ليست مدربة ولا توجد لديها قدرة تنافسية تجعلها تفرض نفسها علي الأوضاع التي تحيط بها ،و المشكلة الأساسية للجالية السودانية بمصر أنها غير موحدة وضعيفة ، ومن جانبنا في السفارة نقوم باستخراج الوثائق المختلفة فيما يتعلق بإجراءات المواطنين السودانيين بمصر كالتعليم والعمل والإقامة والزواج ونسعي لتكوين مجلس اعلي للجالية لوضع رؤية مناسبة لتوفير دعم ومصادر دخل للدور والأندية السودانية القائمة بأمور ومشاكل الجالية بالتنسيق مع السفارة ورجال الأعمال وجهاز المغتربين كما تقوم السفارة بتوعيتهم بضرورة التوحد وتضافر الجهود للتقليل من هذه المشاكل كما يجب ان يكون هناك كوادر لعمل طوعي لتنظيم الجالية وتوحيد صفوفها وعلي الجانب الترفيهي ندعم في حدود إمكانياتنا برامج فنية وثقافية وهناك برامج تنسيق مع الأندية مثل تنظيم دورات رياضية وافطارات رمضانية وتنظيم رحلات للسفر للسودان لربط الجالية بالوطن واكتساب ثقافاته لان شباب الجالية اقرب إلى المصريين بسبب تأثرهم بالبيئة المحيطة بهم وهذه ظاهرة طبيعية لأنهم ذابوا في المجتمع المصري فلا يوجد اختلاف كبير بين البلدين

أضاف القنصل بأنه يأمل أن يكون هناك تنسيق اكبر من خلال رجال الأعمال لان السفارة إمكانياتها محدودة لذلك هناك بعض التقصير في استيعاب مشاكل أفراد الجالية السودانية

كلااااااامك صاح مصعب فعلا الناس دى محتارة لا لامين فى السودان ولا فى مصر
الليلة حار بيك الدليل ماعرفت من وين تبدأ ... مامنك من العليك

أوضاع صعبـة يعيشها هولاء وهم بالتأكيد سودانيين لكن اختارو لانفيهم هذا الوضع المتأزم حتى ضاعت هويتهم وثقافتهم ... اللوم على آبائهم بسبب إنقطاعهم عن السودان بالزيارات السنوية ويتوفون ويتركون أبناءهم بهذه الحالة المتارجحة والوضع القاسي .

ربنا يكون في عـون أسيل

أما "أسيل" فهي فتاة جميلة (متفلهمة) تبدو عليها (القلاصة)وهي طالبة بكلية الآداب قسم علم النفس وتنتقد تصرفات آدم السودان قائلة بأنه رجل ذو نعرة ذكورية وطاووسية متورمة وتنحصر رؤيته للمرأة في أنها كائن لتحقيق متعته الغريزية ولذلك تتمني أن تتزوج من غربي – أوربي - مسلم.

اتفلهمي سمح يا أسيل وعيشي الضياع وانتظري تحسن الاوضاع

بالمناسبة مثل هذه الحالات تكثر في معظم دول العالم لكن ما بالنسبة الكثيرة هذه .

تقبل مروري