ندد علماء دين مغاربة بـ"مناسك الحج" التي يؤديها المئات من مرتادي ضريح "سيدي شاشكال" بالقرب من مدينة آسفي التي تطل على المحيط الأطلسي، قبل عيد الأضحى؛ من طواف وصعود لجبل "عرفة" وترديد عبارات التلبية وتقديم القرابين والتهاني المتبادلة بحج مبرور.
واعتبر العلماء أن هذه "الطقوس" تعد من تصرفات الجاهلية وافتراء كبيرا على الإسلام وابتداعا خطيرا في الدين، فيما أرجع أخصائي نفسي أسباب قيام هؤلاء الناس بمثل هذه الطقوس إلى رغبتهم في حمل لقب "حاج"؛ من أجل الحصول على "بريستيج" اجتماعي معين دون تحمل مشاق السفر إلى الكعبة بالديار المقدسة، وهو ما جعل الكثيرين يسمونه "حج الفقير".
وتؤم هذا الضريح الموجود على بعد حوالي 40 كيلومترا شمال مدينة آسفي، أعداد كبيرة من مرتاديه وزواره، حيث يطوفون حول الضريح كل عام خلال يوم عرفة بأقدام حافية 7 أشواط، وهم يهرولون وينادون بشكل جماعي "لبيك اللهم لبيك" في صورة مشابهة لما يقوم له الحجاج في الكعبة المشرفة.
وبعد الفراغ من "الطواف" يصلون جماعة، ثم يهرعون إلى بئر قرب الضريح يسمونها "بئر زمزم"، وبعد ذلك يذبحون قرابينهم للضريح مهنئين بعضهم بعضا بحجهم المبرور. وبعد قص الشعر يصعدون إلى صخرة بمحاذاة الضريح يطلقون عليها "جبل عرفة".
جاهلية وابتداع في الدين
وأكد الدكتور عبد الرزاق الجاي، أستاذ السنة وعلومها بجامعة الرباط وعضو الدائرة العلمية للدراسات الإسلامية، في حديث خاص "للعربية.نت"، أن القيام بطقوس وممارسات الحج كما هي في هذا الضريح أو في أي مكان غيره يعد من "تصرفات الجاهلية"، حيث لا حج إلاّ إلى المسجد الحرام بناء على النصوص القطعية في القرآن والسنة.
وقال إن هذه الممارسات الغريبة تخالف قطعا العقيدة التي يدين بها المغاربة، وهي عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري التي تتأسس على محاربة الخرافة ومحاربة الشعوذة والسحر والعرافة والتمسح بالقبور.
وشدد على عدم جواز تقبيل أي حجر في الدنيا بكاملها إلاّ الحجر الأسود، ولا طواف إلاّ بالكعبة المشرفة، ولا سعي إلاّ بين الصفا والمروة، ولا وقوف إلاّ بعرفة، انقيادا لأوامر الله تعالى.
وأضاف أنها "ظاهرة خطيرة تقف سدا منيعا أمام التنمية الشاملة التي أعطى انطلاقتها ملك البلاد، معتبرا أن التنمية في المغرب لن تنجح نجاحا سليما إلاّ إذا تم تطهير البلاد من كل أنواع الخرافات وتعليم الناس الإسلام الصحيح".
وبدوره، أوضح الشيخ عبد الباري الزمزمي، رئيس جمعية البحوث والدراسات في النوازل الفقهية، أن ظاهرة الذبائح في الأضرحة والتبرك والتمسح بها ظاهرة موجودة في المغرب، لكن الطواف بضريح والقيام بمناسك مماثلة للحج يعتبر افتراء كبيرا على الإسلام وابتداعا خطيرا في الدين.
وتساءل الزمزمي حول دور الجهات المعنية الرسمية من قبيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية والرابطة المحمدية للعلماء وغيرها، مضيفا أنها مؤسسات بألقاب "فارغة" من مدلولها إذا لم يكن دورها حماية الهوية الإسلامية للمغاربة من المشعوذين والضالين.
وحول قول البعض إن هذه الطقوس تُمارس برعاية رسمية، أجاب العالم المغربي بأن ذلك "خيانة للأمانة"، معتبرا أن أموال المسلمين يجب أن تُصرف في مصالح المساجد والدين، لا أن يتم صرفها من أجل هذه الأضرحة حيث تكثر البدع وأعمال الشرك.
نفسية "القطيع"
وعزا الأخصائي النفسي الدكتور عبد المجيد كمي أسباب توجه الناس للطواف حول الضريح وأداء مناسك الحج بجواره إلى عوامل عدة؛ منها الأمية الدينية التي تضرب بأطنابها خاصة في القرى مما يجعل الجهل يسري بين الناس بسهولة، مضيفا أن الله تعالى خلق فطرة التعبد في الإنسان، والتي إذا كانت مُوجهة فإنها تعبد الله حقا، وإن تُرِكت لحالها فهي تعبد نِدًّا آخر.
وقال إن التفسير النفسي الذي يمكن أن يبرر ممارسات هؤلاء الناس الذين يحجون في الضريح المذكور يكمن في رغبتهم حمل لقب "حاج" دون تحمل مشاق السفر إلى الديار المقدسة بالسعودية.
وذهب إلى أن هؤلاء الناس بممارساتهم هذه قد يجدون راحة نفسية ما، وهو ما يفسر تمسكهم بما يقومون به من "مناسك" غريبة تنتشر وتزداد رقعتها في ظل الأمية والجهل.