فى الخرطوم .. عصابات «ناعمة»

والمركبة العامة تسير في هدوء.. ومن بداخلها ما بين ممسك لصحيفة يومية يلتهم كلماتها على عجل.. وما بين آخر يحاول جاهداً أن يغالب ذلك النعاس الذي يراوده و...
تنطلق تلك الصرخة الضعيفة.. من المقاعد الخلفية.. ليلتفت الجميع باتجاه تلك المرأة المسنة التي راحت تتمتم بعبارات سريعة: «موبايلي.. موبايلي».. ليعلن جميع راكبي الحافلة تبرعهم وبحثهم عن جوال هذه المرأة تحت المقاعد.. وينبري ذلك الشاب يسأل «المرأة» عن رقم هاتفها.. وتجيب.. ثم يضغط على زر الاتصال و...
كانت المفاجأة..!!؟
حيث ارتفع رنين الجوال من داخل حقيبة إحدى الفتيات أنيقات المظهر والتي تصببت عرقاً بعد أن نسيت أن تغلق الجوال بعد سرقته من المرأة المسنة.
فيما بعد اتضح أن هذه «الفتاة» متعلمة ومثقفة جداً.. وتدرس بإحدى الجامعات المرموقة.. لكن.. الأخبار بدأت تتزايد بشدة حول موضوع السرقات التي تمارسها «طالبات جامعيات».. والتي تعدت حتى وصلت مراحل خطيرة وهي مراحل تكوين «عصابة» للنهب والسرقة في قلب العاصمة القومية.. كالتي ألقت عليها المباحث الجنائية القبض أمس الأول بعد حادثة المنشية.
«الرأي العام» اقتحمت بعض الجامعات وجلست مع طالباتها لمعرفة وجهة نظرهن حول الموضوع فماذا قلن؟
آلاء محمد- خريجة جامعة الخرطوم - قسم اللغويات: أكدت أن متطلبات الحياة هي الدافع الرئيسي الذي يجعل بعض طالبات الجامعات يلجأن لمثل هذه الأساليب.. وأضافت إن بعض «طالبات الجامعات» يلهثن وراء «الموضة» بشتى أنواعها وبعضهن يتعمد ذلك حتى تعكسن واقعاً آخر غير الواقع المادي الذي يعشنه.
الطالبة ولاء نور، قالت بإن هذه العادات الغريبة من وجهة نظرها ترجع الى ظروف نفسية وضغوطات أسرية وأحياناً عوامل اقتصادية.
إيناس - قسم اللغة الانجليزية جامعة الخرطوم: أكدت أن ضعف الإيمان يأتي في المقام الأول قبل كل شئ.. وأضافت أن بعض الطالبات ينجرف خلف أجواء الجامعات الخارجية وتتحول أهدافها التي أتت من أجلها.. وهي الدراسة كما أكدت أن الصداقات «داخل المجتمع الجامعي لها الأثر الكبير في تكوين بعض تصرفات الطالبة».. وأضافت أن هناك عوامل تساعد «الطالبة» على الابتعاد من هذه الممارسات أهمها تحريها للصدق مع نفسها. وذلك للحفاظ على «الثقة» التي تمنحها لها أسرتها.
مكة - قسم الترجمة - جامعة السودان: أكدت أن مثل هذه التصرفات.. تأتي دائماً تحت ضغط مادي رهيب تمر به «الطالبة» ورفضت تماماً أن تكون هناك أسباب نفسية تمربها الطالبة تدفعها لمثل هذه الممارسات.
نور - هندسة - جامعة السودان: قالت إن «الأسرة» هي التي تقع عليها المسؤولية الكاملة تجاه التصرفات اللا أخلاقية والممارسات الدخيلة على مجتمعنا السوداني.. فالبنت وعلى حد تعبيرها لو كانت تعيش وسط جو أسري محافظ.. لن تفكر أساساً في مثل هذه التصرفات ناهيك عن القيام بها.. وختمت حديثها أن هناك بعض العوامل التي ربما تؤثر في تفشي مثل هذه الظواهر وأهمها الانفتاح التكنولوجي الرهيب الذي تعيشه البلاد في ظل الثقافات المتعددة التي تدخل كل يوم الى البيوت السودانية البسيطة.
الدكتور معاذ شرفي- علم نفس: قال إن السرقة يمكن أن تتشكل في العديد من الصور منها ربما تكون من أجل الحاجة.. أو حباً في لفت انتباه الآخرين.. أو يمكن أن تكون انتقامية.. أو يمكن أن تكون للغيرة أو الحرمان.. فالتربية هي التي تقود لتحديد نوع السرقة.. والكذب والسرقة متلازمان فمن يكذب يسرق ومن يسرق يكذب وبالتالي المعالجة ترجع لأسباب السرقة.. وقال الدكتور معاذ بأنه يرى أن «السارق أو السارقة» يحتاج للمعالجة النفسية قبل تنفيذ أي من العقوبات عليه.. سواء كانت بالسجن أو الغرامة.. أو أي من العقوبات الأخرى.