دكتور / بدر عبد الحميد هميسه
1430 هـ = 2009 م
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد . . ؛
فهذه ثلاث رسائل أهديها إلى نفسي المذنبة الضعيفة المقصرة , وإلى كل من أحببتهم وأحبوني في الله تعالى , قال تعالى : " وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) سورة الأنفال .
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ. أخرجه أحمد 4/286(18723) .
وهي رسائل من القلب إلى كل مسلم صام رمضان , وقام ليله , وقرأ قرآنه , وتهجد لله سبحانه .
اللهم ارزقنا علماً نافعاً وعملاً متقبلاً ورزقاً واسعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وإيماناً خالصاً وهب لنا إنابة المخلصين وخشوع المخبتين وأعمال الصالحين وأصلح ذات بيننا واجمع قلوبنا على الخير يا أفضل من رجي وقصد وأكرم من سئل، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
راجي عفو ربه
دكتور / بدر عبد الحميد هميسه
المواسير – إيتاي البارود – البحيرة
في 27 من رمضان 1430 هـ = 17 /9/ 2009 م
(1) الرسالة الأولى
" إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ "
أيها الأحبة الأفاضل الأكارم ها هو شهر رمضان قد ودعنا وصعد إلى الله تعالى بأعمالنا , وقد سبق فيه من سبق , وفاز فيه من فاز , وخسر فيه من خسر , فمن المقبول فنهنيه ومن الخاسر فنعزيه ؟ , فالله تبارك وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين المخلصين, قال تعالى: " {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة.
وقال تعالى : " إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) سورة الزمر .
وقال: " قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) سورة الزمر .
وعَنْ شَدَّادٍ أَبِى عَمَّارٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ شَىْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ شَىْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِىَ بِهِ وَجْهُهُ. أخرجه النسائي 6/25 وفي "الكبرى" 4333 .
وعَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: " لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي ، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا". أخرجه ابن ماجة (4245) الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 18, وانظر حديث رقم : 5028 في صحيح الجامع .
وأثر عن علي رضي الله عنه:"كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ألم تسمعوا الله عز وجل يقول "إنما يتقبل الله من المتقين" (المائدة /27).
خرج عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في يوم عيد الفطر فقال في خطبته: أيُّها الناس صُمتمْ للهِ ثلاثينَ يوماً ، وقُمتمْ ثلاثينَ ليلةً ، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أنْ يَتَقبَّلَ منكم ما كان ! .
وكان بعضُ السلفِ يَظْهَرُ عليه الحزنُ يومَ عيدِ الفطرِ ، فيُقَالَ له : إنَّه يومُ فرحٍ وسرور ، فيقول : صَدَقْتُمْ ؛ ولكني عبدٌ أمرني مولاي أنْ أعملَ لَهُ عملاً ، فلا أَدْرِي أَيْقبَلُهُ مِنِّي أَمْ لا ؟.
وبكى عامر بن عبد الله في مرضه الذي مات فيه بكاء شديدا فقيل له : ما يبكيك يا أبا عبدالله ؟ قال : آية في كتاب الله : { إنما يتقبل الله من المتقين } , فالتقوى هي الجامعة للخيرات الكافية للمهمات الرافعة للدرجات.
غدا توفى النفوس ما كسبت * * * و يحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم * * * و إن أساءوا فبئس ما صنعوا
قال ابنُ رجب رحمه الله : لقد كان السلفُ رحمهم الله يَدْعُون الله ستةَ أشهرٍ أنْ يُبلّغهم شهرَ رمضان ، ثم يَدْعُون الله ستةَ أشهرٍ أنْ يَتقبَّله منهم .
وقال عبد العزيز بن رَوَّاد رحمه الله : أدركتُهُم _ الصَّحابَة _ يجتهدون في العملِ الصالح ، فإذا فعلوه وقعَ عليهم الهمُّ أيقبلُ منهم أو لا ؟ .
وقال الحسنُ رحمه الله : إنَّ اللهَ جعلَ شهرَ رمضانَ مضماراً لخلقه يَسْتبِقُون فيه بطَاعَتِهِ إلى مَرْضَاتِهِ ، فَسَبَقَ قومٌ فَفَازُوا ، وتَخَلَّفَ آخرونَ فَخَابُوا ، فالعجبُ من الَّلاعِبِ الضَّاحِكِ في اليَومِ الذي يَفُوزُ فيه المُحْسِنُون ، ويَخْسَرُ فيهِ المُبْطِلُون . ثُمَّ يَبْكي رحمه الله .
ما يصنع العبد بغير التقى * * * والعز كل العز للمتقي
قال الشاعر :
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَاباً مِنَ التُّقَى * * * تَقَلَّبَ عُرْيَاناً وَإِنْ كَانَ كَاسِياً
ِوَخَيرُ لِبَاسِ المَرءِ طَاعَةُ رَبِّهِ * * * وَلا خَيرَ فِيمَنْ كَانَ اللَّهِ عَاصِياً
ولو أن الدنيا تدوم لأهلها * * * لكان رسول الله حياً وباقيا
ولكنها تفنى ويفنى نعيمها * * * وتبقى الذنوب كما هيا
دخل سائل إلى ابن عمر، فقال لابنه: أعطه ديناراً، فأعطاه فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة، أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، تدري ممن يتقبل الله؟ إنما يتقبل الله من المتقين.
عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، أنه كان يقول : « اللهم تقبل مني صوم يوم ، اللهم تقبل مني صلاة ، اللهم تقبل مني حسنة ، ثم يقول : ( إنما يتقبل الله من المتقين).
قال رجل لابن سماك : عظني. فقال: احذر أن تقدم على جنة عرضها السماوات والأرض وليس لك فيها موضع قدم.
وقال يحيى بن معاذ: في طلب الدنيا ذل النفوس، وفي طلب الآخرة عز النفوس، فيا عجباً لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى ويترك العز في طلب ما يبقى.
عن سهل بن عبد الله : لاَ يَعرِفُ الرياءَ إلاَّ مُخْلِصٌ، وَلاَ النّفاقَ إلاَّ مُؤمنٌ، ولاَ الجَهْل إلاَّ عالمٌ، و لا المعْصيَةَ إلاَّ مُطيعٌ.
وعن الربيع بن خُيْثم : كُلُّ مالا يُبتَغَى به وجه الله يضْمحِلُّ.
يقول صالح المري:كان خالي مالك بن دينار يدخل كل ليلة غرفته لا يخرج منها إلا بعد طلوع الفجر ..فرقبته ليلة لأرى ما يفعل..اختبأت تحت سريره..دخل غرفته ..ثم كبّر ليصلي ..فخنقته عبرة فبكى..ولازال يكبّر ويبكي حتى طلع الفجر ..فأخذ بلحيته يسحبها ويقول: اللهم إذا جمعت الأولين والآخرين فحرّم شيبة مالك بن دينار على النار. حلية الأولياء 2/361, صفة الصفوة 3/282.
روى صاحب طبقات الحنابلة: أن عبد الغني المقدسي المحدث الشهير, كان مسجوناً في بيت المقدس في فلسطين , فقام من الليل صادقاً مع الله مخلصاً, فأخذ يصلي, ومعه في السجن قوم من اليهود والنصارى, فأخذ يبكي حتى الصباح, فلما أصبح الصباح, ورأى أولئك النفر هذا الصادق العابد المخلص, ذهبوا إلى السجان, وقالوا: أطلقنا فإنا قد أسلمنا, ودخلنا في دين هذا الرجل, قال: ولِمَ؟ أدعاكم للإسلام؟ قالوا: ما دعانا للإسلام, ولكن بتنا معه في ليلة ذكرنا بيوم القيامة..!.
فالتقوى تستلزم حسن المراقبة الدائمة لله الواحد القهار , وتنقية القلوب من الشوائب والأوزار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:لاَ تَنَاجَشُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يَحْقِرُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ - قَالَ إِسْمَاعِيلُ فِي حَدِيثِهِ : وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ - التَّقْوَى هَا هُنَا ، التَّقْوَى هَا هُنَا ، التَّقْوَى هَا هُنَا ، يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثًا ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ.
- في رواية أُسامة بن زيد: إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ. أخرجه أحمد 2/277(7713) و"مسلم" و"ابن ماجة" 3933 .
ولو اتقينا الله تعالى وأخلصنا له كنا دائماً في معيته , قال تعالى : "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) سورة البقرة .
ولأحبنا الله تعالى وجعل كل شيء يحبنا , قال تعالى : "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) سورة التوبة .
ثم أكرمنا بالنعيم المقيم , قال تعالى : "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) سورة النحل ,وقال: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) سورة القمر .
( 2 ) الرسالة الثانية
" وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"
إن من أعظم الجرم , وإن من أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله عز وجل في هذا الشهر الكريم ، وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاً ؛ فإن هذه الأمور لتدل على أن القلوب لم تحيا حياة كاملة بالإيمان ولم تستنر نورها التام بالقرآن , وأن النفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة , وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً وأن التعلق بالله عز وجل لا يزال واهناً لأننا أيها الإخوة على مدى شهر كامل دورة تدريبية على الطاعة والمسارعة إلى الخيرات والحرص على الطاعات ودوام الذكر والتلاوة, ومواصلة الدعاء والتضرع والابتهال والمسابقة في الإنفاق والبذل والإحسان ثم ينكس المرء بعد ذلك على عقبه .
فاحذر أيها – الحبيب - من العودة إلى المعاصي وإلى الغفلة والانتكاسة بعد الهداية , والاعوجاج بعد الاستقامة, يقول تعالى : " وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) سورة المائدة .
وقال: { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) سورة محمد.
ويقول : "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا" (النحل /92).
قال أهل التفسير : المرأة المقصودة في الآية الكريمة هي امرأة عاشت في زمن ما قبل الإسلام (الجاهلية)، واسمها رابطة أو رايطة أو ريطة من بني تميم، وكانت امرأة تلقب بالجعراء أو الجعرانة، وإليها ينتسب الموضع المسمى بالجعرانة بين مكة المكرمة والطائف، وهو ميقات للإحرام.
وإلى جانب ذلك كانت تسمى بخرقاء مكة، ويضرب بها المثل في الحمق، فما قصة حمقها؟.
لقد كانت هذه المرأة تجتمع كل يوم، هي ومجموعة من الجواري والعاملات لديها، فتأمرهن بالعمل على غزل ونسج الصوف والشعر ونحوهما، ثم إذا انتصف النهار وانتهين من أداء عملهن في الغزل؛ أمرتهن بنقضه، أي إفساد ما غزلنه وإرجاعه أنكاثاً، بمعنى أنقاضاً أو خيوطاً، وذلك بإعادة تقطيع الغزل إلى قطع صغيرة، ثم تنكث خيوطها المبرومة، فتُخلط بالصوف أو الشعر الجديد وتنشب به، ثم تضرب بالمطارق أو ما شابه، على أن يقمن بغزله مجدداً في اليوم التالي , وهكذا، تجهد هذه المرأة نفسها وعاملاتها بالعمل ثم تفسده بحمقها وخراقتها. تفسير الطبري 17 /283 , تفسير ابن كثير 4/599.
يقول الشاعر :
يا شهر مفترض الصوم الذي خلصت* * *فيه الضمائر والإخلاص للعمل
أرمضت يا رمضان السيئات لنا* * *بشر بنا للتقى علا على نهل
ولقد قال الله تعالى واصفاً حال بعض الناس في العبادة : " ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) سورة الحج .
قال السعدي رحمه الله في تفسيره : أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه، إما خوفا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن، { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ } أي: إن استمر رزقه رغدا، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه. فهذا، ربما أن الله يعافيه، ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه، { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } من حصول مكروه، أو زوال محبوب { انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } أي: ارتد عن دينه، { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ } أما في الدنيا، فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأسا لماله، وعوضا عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قسم له، وأما الآخرة، فظاهر، حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار، { ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } أي: الواضح البين.
فهذا حال المنافق، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب، ولا يقيم على العبادة إلا لما صَلَح من دنياه. وإذا أصابته شدّة أو فتنة أو اختبار أو ضيق، ترك دينه ورجع إلى الكفر. تفسير السعدي 534 .
ذكر شيخ الإسلام ابن القيم رحمة الله عليه : " إن أعظم ما يبتلى به العبد وقوعه في الذنب ، وأعظم من ذلك أن لا يشعر بأثر الذنب فذلك موت القلوب .
وروى عطية عن أبي سعيد الخدري قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده وتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال، فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيرا، أذهب بصري ومالي وولدي، فقال: يا يهودي إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب، قال: ونزلت " ومن الناس من يعبد الله على حرف ". زاد المسير في علم التفسير , لابن الجوزي 5/404.
فلا تكن كعبد السوء إن أعطي رضي وإن منع قنط وسخط , بل وطن نفسك مع الصادقين المخلصين .
لله قوم أخلصوا في حبه * * * فرضي بهم واختصهم خدّاما
قوم إذا جن الظلام عليهم * * *باتوا هنالك سجداً وقياما
خمص البطون من التعفف ضمرا * * *لا يعرفون سوى الحلال طعاماً
قال تعالى : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سورة الأعراف.
قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد رحمهم الله : نزلت هذه الآية في بلعم بن باعوراء ، وذلك لأن موسى عليه السلام قصد بلده الذي هو فيه ، وغزا أهله وكانوا كفاراً ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى عليه السلام وقومه ، وكان مجاب الدعوة ، وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه ، فما زالوا يطلبونه منه حتى دعا عليه فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأي ذنب وقعنا في التيه . فقال : بدعاء بلعم . فقال : كما سمعت دعاءه علي ، فاسمع دعائي عليه ، ثم دعا موسى عليه أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه الله مما كان عليه ونزع منه المعرفة . فخرجت من صدره كحمامة بيضاء فهذه قصته .
وقال عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم ، وأبو روق : نزلت هذه الآية في أمية بن أبي الصلت ، وكان قد قرأ الكتب ، وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك الوقت ، ورجا أن يكون هو ، فلما أرسل الله محمداً عليه الصلاة والسلام حسده ، ثم مات كافراً ، ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم . تفسير الرازي 7/279 , تفسير ابن كثير 2/705 .
روت كتب التفسير أن عمير بن سعد هذا الفتى الصغير الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، عمير بن سعد رضي الله عنه وأرضاه، والذي مات أبوه فتزوجت أمه برجل ثري غني يقال له: الجلاس بن سويد ، ولما كان في السنة التاسعة من الهجرة دعا رسول الله المسلمين أن ينفقوا، وأن يبذلوا لغزوة تبوك، فتسابق المسلمون في الإنفاق، وعاد الفتى الصغير عمير بن سعد ليقص على زوج أمه الجلاس بن سويد ما كان من أخبار المؤمنين الصادقين، وما كان من تخلف المنافقين والمرجفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الجلاس بن سويد كلمة خبيثة خطيرة، قال: يا عمير ! إن كان محمد صادقاً فيما يقول فنحن شر من الحمير، وهنا حلقت عين الفتى المؤمن في وجه هذا الرجل، وقال له: والله! ما كان أحد على ظهر الأرض أحب إلي بعد رسول الله منك، أما وقد قلت هذه المقالة فلقد قلت مقالة إن قلتها فضحتك، وإن أخفيتها أهلكت نفسي وديني، فكن على حذر من أمرك؛ فإني مخبر رسول الله بما قلت، وانطلق الفتى الصادق الذي وعى ما سمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص عليه ما كان من الجلاس بن سويد ، فأجلسه النبي عنده، وأرسل النبي رجلاً ليأتيه بـ الجلاس ، للتثبت والتبين قبل الحكم، وجاء الجلاس ، فأنكر ما قاله الفتى المؤمن، وقال: والله! يا رسول الله! ما قلت، وإن عميراً قد كذب علي، ولماذا أقول هذا؟! ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الفتى المؤمن وقد احتقن وجهه بالدم واحمر، وانهمرت الدموع على خده وعلى وجنيته، وارتعد وخاف، ماذا يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ووالله! لم يلبثوا إلا يسيراً حتى نزل على رسول الله الوحي في مجلسه هذا، ونزل عليه الوحي الذي يبرئ هذا الفتى الذي رفع أكف الضراعة إلى الله وقال: اللهم أنزل على رسول الله تصديق ما قلت، ونزل قول الله جل وعلا: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ } [التوبة:74] فصرخ الجلاس بن سويد وقال: صدق عمير يا رسول الله! وأتوب إلى الله يا رسول الله! وهكذا التفت النبي إلى هذا الفتى الصادق الذي بللت وجهه مرة أخرى دموع الفرح بعد دموع الحزن والألم، ومد الحبيب يده إلى أذن عمير بن سعد ففركها بيسر ولين وقال له: ( لقد وفّت أذنك ما سمعت، وبرأك ربك يا عمير )!. تفسير الرازي 7/98 , تفسير ابن كثير 4/79 ,الصفدي : الوافي بالوفيات 137.
فلا تجعل نفسك في زمرة هؤلاء المنتكسين , الذين بدلوا نعمة الله كفرا , وأحلوا النقم مكان النعم .
( 3 ) الرسالة الثالثة
" أحب الأعمال إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ"
الله تعالى بحكته ورحمته لم يكلف الناس من العبادات والطاعات والتشريعات ما لا يطيقون , بل كلفهم بما يستطيعونه ويقدرون عليه , قال تعالى : " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286) سورة البقرة .
قال تعالى :لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) سورة الطلاق.
وعَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ؛ أنَهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحَبُّ إلى اللَّهِ ؟ قَالَ : أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ . وَقَالَ : اكْلُفُوا مِنَ الأعمال مَا تُطِيقُونَ. أخرجه أحمد 6/176 والبخاري 8/122 و"مسلم" 2/189.
وعن الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:أحب الأعمال إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ.قَالَ : وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ. أخرجه أحمد 6/165 . و"مسلم" 2/189.
إن الكثير منا ليشعر بالتقصير ويؤنبه ضميره دائما لتقصيره في العبادات والتقرب من الله الطاعات فتأتيه مشاعر صادقة بعد موجة الندم تلك فنجده قد التزم بالأعمال الصالحة الكثيرة , فهو قد ألزم نفسه بالصوم المتواصل والقيام الدائم والذكر الكثير , حتى إنه يملاْ أيامه الأولى كلها بتلك الأعمال الصالحة ،،ولكنه وللأسف ما إن يمضي بعض الوقت إلا ونجده قد خفت همته وبدأ حماسه يقل
وهذه آفة قد تعتري البعض منا ,, فما يأتي فجأة يذهب فجأة كما قيل،وهنا يقال لا ينبغي لمن كان يعمل صالحاً أن يتركه؛وليحرص على مداومته لتلك الأعمال الصالحة ولو كانت تلك الأعمال قليلة , فقليل دائم خير من كثير منقطع .
عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ:قَالَ لِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا عَبْدَ اللهِ ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ. ( متفق عليه ) .
ومن الأعمال والنوافل التي يحرص المسلم على المداومة عليها بعد رمضان :
1- الصيام ومنه :
- صيام ستة أيام من شوال: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ. أخرجه "أحمد" 5/417(23930) و"مسلم" 3/169 (2728) و"أبو داود" 2433 .
- صيام ثلاثة أيام من كل شهر : عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ:أَوْصَانِي حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ : بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَصَلاَةِ الضُّحَى ، وَبِأَنْ لاَ أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ. أخرجه مسلم 2/159(1622) .
- صيام الاثنين والخميس : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. أخرجه مالك "الموطأ" 566 و"أحمد" 2/268(8627) و"الدارِمِي" 1751 و"البُخاري" في "الأدب المفرد" 411 و"مسلم" 6636 .
- صيام يوم عرفة , ويوم عاشوراء : عنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ فَقَالَ : يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ ، قَالَ : وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ؟ فَقَالَ : يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ. أخرجه "أحمد" 5/296 (22904) و"مسلم" 3/167 (2716) .
2- قيام الليل : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل . رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه .
وعنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِمَئَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ قاَمَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ. أخرجه أبو داود (1398) و"ابن خزيمة" 1144.و"ابن حِبان" 2572 .
3- السنن الرواتب التابعة للفرائض : وهي ثنتا عشرة ركعة أربع قبل الظهر , وركعتان بعدها , وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء , وركعتان قبل صلاة الفجر . عَنْ أمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهَا قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يََقُول: مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا ، غَيْرَ فَرِيضَةٍ ، إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ . أَوْ إِلاَّ بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ. أخرجه أحمد 6/326 و"ابن ماجة" 1141 و"التِّرمِذي" 415 و"النَّسائي" 3/262 .
وكذا سنة الضحى : عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله )) رواه مسلم .
فلا تترك العبادة بعد رمضان ؛ لأن رب رمضان هو رب الشهور كلها .
4- أذكار الصباح والمساء : قال تعالى : " فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) سورة الروم .
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ذِكْرُ اللهِ.
أخرجه أحمد 5/195(22045) و"ابن ماجة" 3790 و"التِّرمِذي"3377 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَانِ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ. أخرجه الشيخان.
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ. قال : حدَّثني أَبِيِ ، قَالَ:كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمِ ، أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ : كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ قَالَ : يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ.- وفي رواية : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمِ أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ فَقَالَ له رجل مِنْ جُلَسَائِهِ : كَيْفَ يَكْتِبُ له أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ قال: يُسَبِّحُ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ ، و يُمحَّىُ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ.أخرجه "أحمد" 1/174(1496) و"مسلم" 8/71(6951) .
عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ ، غُرِسَ لَهُ نَخْلَةٌ ، أَوْ شَجَرَةٌ ، فِي الْجَنَّةِ.- وفي رواية :مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ.أخرجه التِّرْمِذِي 3464 الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 95 .
وعَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : قَالَ أَنَسٌ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَا سَأَلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَطُّ ، إِلاَّ قَالَتِ الْجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، وَلاَ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ، إِلاَّ قَالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ أَجِرْهُ. أخرجه أحمد 3/117وابن ماجة 4340 والتِّرْمِذِيّ" 2572 و"النَّسائي" 8/279 .
عن أبي الدرداء قال رسول الله : "من صلّى عليَّ حينَ يُصبحُ عَشْراً، وحِينَ يُمسِي عشراً أَدْرَكَتْهُ شفاعتي يومَ القِيَامة" . رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني (صحيح الترغيب ص 273 رقم 650).
كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من الأنصار يكني أبا معلق وكان يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق وكان ناسكا ورعا , فخرج مرة فلقيه لص مقنع بالسلاح فقال له ضع ما معك فإني قاتلك , قال ما تريد إلا دمي شأنك بالمال , قال أما المال فلي فلست أريد إلا دمك , قال أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات , قال صل ما بدا لك , فتوضأ ثم صلى أربع ركعات وكان من دعائه في آخر سجدة أنه قال يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام والملك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص يا مغيث أغثني ثلاث مرات قال دعا بها ثلاث مرات , فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه فلما أبصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله , ثم أقبل إليه فقال قم قال من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله تعالى بك اليوم قال أنا ملك من أهل السماء الرابعة , دعوت الله بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة , ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجيجا , ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل دعاء مكروب , فسألت الله عز و جل أن يوليني قتله .مجابو الدعوة , لابن أبي الدنيا 16 .
أتهزأُ بالدعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهامُ الليلِ لا تخطي ولكن ... لها أَمَدٌ وللأمدِ انقضاءُ
5- ليكن لك خبيئة من الأعمال الصالحة تلزمها وتداوم عليها .
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " عجب ربنا من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي ورجل غزا في سبيل الله فانهزم مع أصحابه فعلم ما عليه في الانهذام وما له في الرجوع فرجع حتى هريق دمه فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى هريق دمه " . أخرجه ابن حبان (643و644) ، والبيهقي «السنن» (9/164) ، وابن أبي شيبة في «المصنف(5/313 ـ 314) وأحمد (1/416) والطبراني في «المعجم الكبير» 10/221/10383) ،وأبو نعيم في «الحلية» (4/167) ، والحاكم (2/112) ، وقال «صحيح الإسناد» . ووافقه الذهبي ، السلسلة الصحيحة 3478.
وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ".
ولقد كان الصالحون يعجبهم أن يكون للرجل خبيئةٌ من عمل صالح بينه وبين ربه لا يعلمها أحد من صدقة في السر , أو نصيحة لمقصر , أو كفالة يتيم , أو أرملة ومسكين , أو قيام في الأسحار , وصيام في النهار . ودعاء واستغفار .
وروى الفلاس، عن الخريبي، قال: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها . . تذكرة الحفاظ " 1 / 338.
وهذا علي بن الحسين زين العابدين يحمل الصدقات والطعام ليلاً على ظهره ،ويوصل ذلك إلى بيوت الأرامل والفقراء في المدينة ، ولا يعلمون من وضعها ، وكان لا يستعين بخادم ولا عبد أو غيره .. لئلا يطلع عليه أحد .. وبقي كذلك سنوات طويلة ، وما كان الفقراء والأرامل يعلمون كيف جاءهم هذا الطعام .. فلما مات وجدوا على ظهره آثاراً من السواد ، فعلموا أن ذلك بسبب ما كان يحمله على ظهره ، فما انقطعت صدقة السر في المدينة حتى مات زين العابدين وعن ابن عائشة قال : سمعت أهل المدينة يقولون :ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين.!! الحلية 3/136 , صفة الصفوة 2/96.
قال ابن أبي عون: صام داوود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله ،،كان يحمل معه غذاءه فيتصدق به في الطريق, قال ابن الجوزي :فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت ويظن أهله أنه قد أكل في السوق.التذكرة الحمدونية 1/51.
قال وهب بن منبه:لبث رجل عابد سبعة أيام لم يرزق شيئا، فقالت امرأته:-لو خرجت فطلبت لنا شيئا؟فخرج العابد فوقف مع العمال،فاستؤجر العمال، وصرف الله عن العابد الرزق، ولم يستأجره أحد فقال:- والله لأعملن اليوم مع ربي.فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل،ولم يزل راكعا وساجدا حتى أمسى . وأتى أهله فقالت امرأته:- ما صنعت اليوم ؟قال العابد:-عملت مع أستاذي، وقد وعدني أن يعطيني.ثم غدا إلى السوق فوقف العمال فاستؤجر،وصرف الله عنه الرزق،ولم يستأجره أحد فقال-لأعملن اليوم مع ربي.فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل،ولم يزل راكعا ساجدا حتى إذا أمسى أقبل على أهله فقالت امرأته :- ما صنعت؟قال العابد:- إن أستاذي قد وعدني أن يجمع لي أجرتي.فخاصمته امرأته وبرزت عليه، ولبث يتقلب ظهر البطن، وبطنا لظهر،وصبيانه يتضاغون جوعا، ثم غدا إلى السوق، فاستؤجر العمال وصرف الله عنه الرزق ولم يستأجره أحد فقال :- والله لأعملن اليوم مع ربي:فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل ، ولم يزل راكعا ساجدا حتى إذا أمسى قال :-أين أمضي ؟ و أنا قد تركت العيال يتضاغون جوعا ثم تحامل على جهد منه، حتى إذا قرب من باب داره سمع ضحكا وسرورا،وشم رائحة قديد وشواء، فأخذ على بصره وقال : - أنا نائم أم يقظان ؟ تركت أقواما يتضاغون جوعا، وأشم رائحة قديد وشواء،وأسمع ضحكا وسرورا؟ ثم دنا من باب داره فطرق الباب ، فخرجت امرأة حاسرة ، قد حسرت عن ذراعيها وهي تضحك في وجهه، ثم قالت :-قد جاءنا رسول أستاذك فأتانا بدنانير وكسوة و ودق - الدهن - ودقيق ، وقال: إذا جاء فلان فأقرئه السلام وقولي له :إن أستاذك يقول لك: قد رأيت عملك و قد رضيته ، فإن زدتني في العمل زدتك في الأجر. ابن الجوزي : المنتظم 1/179.
فلا تستقل أعمال الخير والبر وإن كانت قليلة , فهي عند الله كثير , وهو يربيها وينميها لك و ولرب تسبيحة من قلب مخلص منيب أفضل عند الله تعالى من ركوع الراكعين وسجود الساجدين. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن إدريس بن وهب بن منبه قال: حدثني أبي قال: كان لسليمان بن داود ألف بيت أعلاه قوارير وأسلفه حديد فركب الريح يوما فمر بحراث فنظر إليه الحراث فاستعظم ما أوتي سليمان من الملك، فقال: لقد أوتي آل داود ملكا عظيما، فحملت الريح كلام الحراث فألقته في أذن سليمان، قال: فأمر الريح فوقفت، ثم نزل يمشي حتى أتى الحراث فقال له: إني قد سمعت قولك، وإنما مشيت إليك لئلا تتمنى مالا تقدر عليه مما أقدرني الله عليه تفضلا وإحسانا منه علي، لأنه هو الذي أقامني لهذا وأعانني.
ثم قال: والله لتسبيحة واحدة يقبلها الله عزوجل منك أو من مؤمن خير مما أوتي آل داود من الملك، لان ما أوتي آل داود من ملك الدنيا يفنى، والتسبيحة تبقى، وما يبقى خير مما يفنى.
فقال الحراث: أذهب الله همك كما أذهبت همي. تفسير القرطبي 15/205 , الزهد لأحمد بن حنبل 40, البداية والنهاية 9/234.
إن المسلم الحق هو الذي يستغل مواسم الطاعات , وفترات إقبال العبادات , قال تعالى : " وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) سورة إبراهيم .
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : الْتَمِسُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ نفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ. قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 511 :رواه الطبراني في " الكبير " ( رقم - 720 ) .
فالإيمان يزيد وينقص , يزيد بالطاعات وينتقص بالمعاصي والسيئات , فلا يمكن لٌيمان أن يسير على وتيرة واحدة بل لا بد من الزيادة والنقصان , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو . قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رِجَالٌ ، يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا . فَقَالَ : تِلْكَ ضَرَاوَةُ الإِسْلاَمِ وَشِرَّتُهُ ، وَلكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ ، وَلكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ ، فَلأُمٍّ مَا هُوَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي ، فَذَلِكَ الْهَالِكُ.أخرجه أحمد2/165(6539).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :إِنَّ لِكُلِّ شيء شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلاَ تَعُدُّوهُ.أخرجه الترمذي (2453).
والعاقل هو من يستغل فترة زيادة الإيمان , كان علي رضي الله عنه يقول : " إن للقلوب إقبالا وإدبارا ، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض .
والمداومة على الخير وإن كان قليلاً أفضل عند الله تعالى من تركه بالكلية , فلرب شق تمرة تنقذ صاحبها من غضب الجبار , ومن دخول النار , عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ:مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ.
- وفي رواية : ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّارَ ، فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقُوا النَّارَ ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. أخرجه أحمد 4/256(18442) و"الدارِمِي" و"البُخَارِي"8/14(6023) و"مسلم" 3/86(2312) .
كان أحد الصالحين على فراش الموت فنطق بثلاث كلمات هي : ليته كان جديدا : ويذهب في غفوة ويفيق وهو يقول : ليته كان بعيدا : ويذهب في غفوة ويفيق وهو يقول : ليته كان كاملا.و بعدها فاضت روحه ، فرآه أحد إخوانه بعد ذلك في المنام فسأله عن معاني هذه الكلمات فقال : إنه كان يمشي في يوم من الأيام وكان معه ثوب قديم فوجد مسكينا يشتكي من شدة البرد فأعطاه الثوب فلما حضرته الوفاة و رأى قصرا من قصور الجنة , فقالت له ملائكة الموت : هذا قصرك , فقال : لأي عمل عملته ؟؟ فقالوا له : لأنك تصدّقت ذات ليلة على مسكين بثوب فقال الرجل : إنه كان باليا , فيا ليته كان جديدا.
و كان في يوم ذاهبا للمسجد , فرأى مقعدا يريد أن يذهب لمسجد فحمله إلى المسجد , فلما حضرته الوفاة و رأى قصرا من قصور الجنة فقالت له ملائكة الموت : هذا قصرك , فقال : لأي عمل عملته؟؟فقالوا له : لأنك حملت مقعدا ليصلي في المسجد : فقال الرجل :إن المسجد كان قريبا , ليته كان بعيدا.
وفى يوم من الأيام كان يمشي وكان معه بعض رغيف فوجد مسكينا جائعا فأعطاه جزء منه فلما حضرته الوفاة و رأى قصرا من قصور الجنة فقالت له ملائكة الموت : هذا قصرك , فقال لأي عمل عملته؟؟ : فقالوا له : لأنك تصدّقت ببعض رغيف لمسكين : فقال الرجل إنه كان بعض رغيف , فيا ليته كان كاملا.
أيها الحبيب , لربما يوفق الله تعالى عبداً من خلقه إلى عمل من أعمال الخير يداوم عليه , ثم يقبضه وهو مقيم على هذا العمل الصالح فيدخل به الجنة .
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ، قِيلَ : وَمَا اسْتَعْمَلُهُ ؟ قَالَ : يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ. أخرجه أحمد 5/224(22295) . وعَبْد بن حُمَيْد (481).
وأخيراً – أيها الغالي الحبيب - قل لنفسك :
لا تقل من أين ابدأ؟ * * * طاعة الله البداية
لا تقل أين طريقي؟ * * * شرعة الله الهداية
لا تقل أين نعيمي؟ * * * جنة الله الكفاية
لا تقل في الغد ابدأ * * * ربما تأتي النهاية
اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي , اللهم أعنا على ذكرك وشكرك , وحسن عبادتك .